شاركت رئيسة ​الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية​ ​كلودين عون​، في المؤتمر الحقوقي الرابع للمحامية العربية للجنتي المرأة في نقابة المحامين في بيروت واتحاد المحامين العرب، تحت عنوان: "المرأة العربية والمساواة أمام القانون نحو ميثاق عربي لحقوق المرأة العربية".

وأكدت عون في كلمة خلال جلسة الافتتاح، أنّ "لكلّ إنسان حقّ التمتّع بجميع الحقوق والحريات دون تمييز من أي نوع. في مادته الثانية، يذكر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الجنس من بين الأسباب التي لا يجوز أن تبرّر التمييز بين البشر. والدساتير الحديثة للدول تتبنّى بشكلٍ عام، إعلان حقوق الإنسان وتنصّ على المساواة أمام القانون. مع ذلك تأتي القوانين في كثير من الأحيان بأحكام مُجحفة بحقوق ​النساء​. والقانون الذي يفترض أن يحدّد تنظيم العلاقات البشرية، يأتي ثمرة لتطوّر تاريخي ويُفترض به أن يكون منبثقاً من متطلبات الواقع، وأن يكون في الوقت عينه مستبقاً لمتطلبات المستقبل. والمجتمعات بحاجة دائمة إلى تحديث تشريعاتها كي تتماشى القوانين مع التغيرات الطارئة عليها وكي تكون هذه القوانين أيضاً، مُوجِهة للتطورات التي تتطلع إليها. وقد شاهدنا في الحقبة الأخيرة، في العديد من الدول العربية إقدام المشرعين على تبني قوانين جديدة سجّلت تقدُّماً في مجال حماية النساء من العنف ومن التزويج المبكر، أو الاستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية والاقتصادية، كما شاهدنا تقدُّماً في وصول النساء إلى المناصب الوزارية في العديد من بلدان العالم العربي".

وأضافت: "لكن في العموم، لا تزال هناك العديد من الميادين تشكو فيها النساء العربيات من تمييز القانون ضدّهن، ومن عدم تحديث الأحكام التي ينصّ عليها بالنسبة إليهنّ تماشياً مع متطلّبات واقع المجتمعات العربية. فهذه المجتمعات تطوّرت بطبيعة الحال، كما جميع المجتمعات البشرية ولم يعد ذات فائدة بشيء بالنسبة إلى بناتها وأبنائها، استمرار القانون في فرض تنظيم للعلاقات بينهم يعتمد على المعايير التي تمّ وضعها قبل مئات السنوات. مع الإشارة إلى أن هذه هي حال معظم القوانين التي تحدّد مثلاً الحقوق في مجال الأحوال الشخصية في الغالبية من بلداننا. كذلك بات معيقاً لتطور مجتمعاتنا، امتناع القانون، في البعض من بلداننا، عن التدخل لتصحيح ممارسات سائدة مثل تشجيع الفتيات على الزواج المبكر أو التذرّع "بالتقاليد" لتبرير قتل النساء بادعاء الدفاع عن الشرف. فطالما لن توفّر قوانيننا الحماية الكافية للنساء العربيات، من العنف الذي يطالهنّ حتى داخل أسرهنّ، ومن التمييز الذي يتعرّضن له في العمل وفي الحصول على الخدمات، ومن الصورة السلبية التي تتناقلها عنهنّ وسائل الإعلام والتواصل، لن تجد بلداننا سبيلاً إلى الانماء الحقيقي وسوف تبقى مزيّفة بعض معالم الحداثة التي قد تظهرها ممارساتنا الاستهلاكية وقدراتنا على استخدام أجهزة تعمل بتقنيات متطورة."

وأشارت إلى أنّه "يتشارك لبنان مع سائر الدول العربية، المعطيات التاريخية والثقافية المؤثرة على أوضاع المرأة فيه وكما جميع المعنيين بتطوير المجتمع في العالم العربي، نعمل في لبنان على توسيع نطاق الأدوار الاجتماعية المنوطة تقليدياًّ بالنساء لتشمل كافة الميادين ومنها المجالين السياسي والاقتصادي. ففي لبنان، أثبتت النساء قدراتهن على النجاح في كافة المجالات المهنية، وبات عددهنّ يضاهي عدد الرجال في مجالات القضاء والمحاماة ويتفوّق عليه في مجال الصيدلة والتمريض، وسجّلت الطبيبات والمهندسات النجاحات في نطاق عملهنّ ولم يكنّ أقل مهنية من زملائهن الرجال، الوزيرات اللواتي شغلن مناصب وزارية حساسة في الحقبة الأخيرة في وزارات الداخلية والدفاع والعدل وسواها. ومع ذلك، في العديد من المجالات لا تنصف القوانين المرعية الاجراء في لبنان النساء. فمواطنية المرأة اللبنانية لا تزال منقوصة بفعل حظر القانون نقل المرأة جنسيتها إلى أولادها ولا يزال القانون يتغاضى عن منع تزويج الفتاة القاصرة، كما أنه لا يعترف للمرأة بحقوق متساوية مع حقوق الرجل في الأسرة. ولغاية اليوم، لا تزال قوانيننا مقصرّة في اتخاذ تدابير مرحلية خاصة لتحسين الأوضاع الاجتماعية للنساء أو لدعم مبادراتهنّ للمشاركة في إدارة المصالح الاقتصادية، أو في شغل مقاعد في المجالس المنتخبة في البرلمان، أو في البلديات عبر إقرار كوتا لصالحهنّ في القوانين الانتخابية."

وأضاف: "أننا في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، نسعى اليوم جاهدين لتصحيح القوانين في المجالات المذكورة، بغية إيجاد بيئة تشريعية واجتماعية تتيح للنساء الاستفادة من قدراتهنّ الذاتية. وتعتمد الهيئة في عملها هذا على الخطة الوطنية لتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 التي أقرتها الحكومة في العام 2019، والذي تمحور أحد أهدافها الاستراتيجية حول الأطر الحاكمة وتضمّنت التدخلات المنصوص عليها ضمنه تعديل القوانين المُجحفة بحقوق النساء التي ذكرناها واعتماد كوتا نسائية في قانوني الانتخابات النيابية والبلدية. كذلك تعوّل الهيئة في سعيها إلى تطوير التشريع اللبناني على التعاون الوثيق الذي تقيمه مع الحقوقيات والحقوقيين في نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، ومع لجنة المرأة والطفل في البرلمان ومع المنظمات المختصّة في المجتمع المدني. وعلى الرغم من أن الانتخابات النيابية المقبلة سوف تجري في ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة ومن غير تخصيص النساء بمقاعد خاصة بهنّ أو بأي إجراء تحفيزي يشجعهنّ على خوض الانتخابات، فإن أمَلنا كبير في أن يأتي البرلمان الجديد بمشرّعات ومشرّعين مدركين أن الإصلاح التشريعي لإنصاف النساء يشكّل مسألة جوهرية سوف تحدّد سمات مجتمعنا في المستقبل القريب."

وشددت على أنّ "المجتمع الذي نتطلّع إليه هو مجتمع تتحقّق فيه المساواة بين الجنسين ويتوفّر فيه تكافؤ الفرص للجميع. وتشييد هذا المجتمع لن يكون إلا عن طريق حشد الجهود للتوصل إلى تنزيه القوانين من موادها المجحفة بحقوق النساء، وإلى إقرار قوانين تصحّح ما خلّفته عصور الفقر والجهل من رواسب معيقة للتقدّم."

وأكدت عون، أنّه "في لبنان كما في العالم العربي، نحن بحاجة إلى حركة تشريعية نهضوية، تتيح لمجتمعاتنا محاكاة متطلّبات عالمنا المعاصر، ويتشارك فيها أرباب الفكر مع رائدات وروّاد الحقوق والقانون. أشكر اتحاد المحامين العرب ونقابة المحامين في بيروت ولجنتي المرأة فيهما على تنظيم هذا المؤتمر وأتمنّى لكنّ ولكم جلسات عمل مثمرة."